روائع مختارة | قطوف إيمانية | أخلاق وآداب | عــادة القرقـيعان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > أخلاق وآداب > عــادة القرقـيعان


  عــادة القرقـيعان
     عدد مرات المشاهدة: 2357        عدد مرات الإرسال: 0

يتساءل كثير من الناس عن بعض العادات التي يجري بها العمل في بعض البلاد، وقد يتردَّد الفقيه في الجواب على ما يَرِدهُ من أسئلة الصحفيين، عن حكم بعض العوائد والأعراف، فيمتنع عن الحديث عنها، حِذارًا من أن يصير الجواب مادةً إعلامية، تزيد الشقاق، فالمسلمون لا ينقصهم شيئًا من بذور الخلاف، والملاحظ أن كثيرًا من المسلمين -رغم كثرة ما يسمعون من مواعظ وخُطب- قد يغيب عنهم أنّ المسائل الفقهيَّة إذا كانت من مسائل الإجتهاد، فإن الخلاف فيها سائغ، وأن إختلاف الفقهاء في حكمها لم يكن في يوم من الأيام سببًا للتنازع والفرقة، فمعرفة هذا المعنى والعمل به هو نهج السلف الصالح، وهو علامةٌ على فِقه الرجل في دينه، فكلما كان المسلم إلى منهج السلف أقرب، كان عن التبديع والإنكار في مسائل الإجتهاد أبعد، وآيةُ ذلك أنَّ الصحابة الكرام إختلفوا في كثير من مسائل الفقه، بل إختلفوا في أخصِّ شؤون دينهم، وهي الصلاة، حيث إختلفوا في كثير من مسائلها، ولم يكن إختلافُهم سببًا لإختلاف قلوبهم، فكان بعضهم يُصلِّي خلف بعض بلا حرج، ومن أشهر الأمثلة على ذلك أن الإمام أحمد رحمه الله كان يرى الوضوء من الحجامة، ومن الرُّعاف، فقيل له: فإنْ كان الإمامُ قد خرج منه الدم ولم يتوضأ، تصلِّي خلفه؟ فقال: كيف لا أصلِّي خلفَ سعيد بن المسيب ومالِك! فقبول الخلاف مقصد شرعي، وأدب إسلامي رفيع، ما أحوجنا إلى التخلُّق به، ومن المواضع التي يتساءل الناسُ كثيرًا عن حكمها، عادةُ القرقيعان، فهي عادةٌ منتشرةٌ في الخليج العربي، وقد إختلف المعاصرون في حكمها إلى قولين، فذهب جمْعٌ منهم إلى تحريمها، ورأَوا أنها عادةٌ محرمة، وبدعةٌ لا أصل لها في الإسلام، ورأوا أنها قد تكون أتتْ إلينا من غير المسلمين، ورأى بعضهم أنها عادةٌ موغلةٌ في القِدم، وأنها تقليدٌ جاهليٌّ قديم، ورأى آخرون أنها كانت بمناسبة مولد أحد الصالحين، وقالوا: إنه لو كان فيها خيرًا لفعلها الصحابة الكرام، فلذا رأوا ضرورة ترك المسلمين لهذه العادة، فحذَّروا الناس منها، وأمروهم بالإبتعاد عنها، وذهب فريق آخر مِن الفقهاء إلى إباحة هذه العادة، ورأَوا أنها ليست شعيرةً يُتعبَّد الله بإقامتها، وقالوا: إن الناس لا يفعلونها على أنها عبادةً، كصلاة الجمعة والعيدين وسائر الأمور التعبُّديَّة، بل شأنها شأن كثير من العادات التي يقيمها الناس لأنفسهم، لأيِّ معنى من المعاني العُرفيَّة المباحة، التي يعتادها الناس، وقد يحددون بعضها بزمنٍ معيَّن، كساعةٍ معيَّنة أو يوم معيَّن، كإنتظام بعضهم بدرسٍ أسبوعي، أو بقراءة كتاب بعينه يوميًا أو أسبوعيًا أو شهريًا أو سنويًا، كمساء كل يوم خميس مثلاً، أو عصر كل يوم أربعاء، وكما تفعله كثير من المدارس في شتى المناسبات، كمناسبة بدء العام الدراسي أو نهايته، وغير ذلك من العادات والمناسبات الإجتماعية التي لا تتناهى، بل تجِدُّ مع الزمن وتتنامى مع الأيام، وقالوا: إن إجتماع الناس في هذا اليوم أو الساعة لا يعني أنهم يتعبَّدون الله بتعظيم هذا اليوم، ووضَّحوا هذا المعنى بأنَّ أحدًا لا يقول لمن فعل هذه العادة، بأنه فعل سنَّةً يرجو ثوابها، ولا لمن تركها أنه ترك سنَّة وفوَّتَ أَجْرها، بل يقولون فَعَل عادة مباحة أو ترك عادةً مباحة، ورأى هؤلاء أن منشأ العادات وسبَبَها ليس دليلاً شرعيًا، لا على إباحة العوائد والأعراف، ولا على تحريمها، فالتحريم حكمٌ شرعيٌّ، فلا يكون إلا بنصٍّ، وليس حكمًا عقليًا ولا عاديًا، فالخلاصة أن المسألة لم يَردْ نصٌّ في إباحتها ولا في تحريمها، فلا حرج على مَن ترجَّح عنده تحريمُها، ولا على مَن رأى إباحتها، فهي من مسائل العلم التي تركض فيها جياد الإجتهاد، وتتسع فيها الصدور ولا تضيق، وكلٌّ يأخذ بما يراه الأقرب للصواب، ويقدِّر لغيره إجتهادَه، بقي أمرٌ هامٌّ جدًا، وهو ما قد يصاحبها مِن ذنوبٍ وآثام، كالإسراف وإضاعة المال، فهذه محرَّمات بإتفاق، فيجب إنكارها والتحذير منها، فالتبذير والإسراف منكرٌ في جميع الأحوال والمناسبات.

الكاتب: د.قيس المبارك.

المصدر: موقع رسالة الإسلام.